mercredi 19 octobre 2016

أصول الشعب المصري


تعددت نتائج تحاليل الحمض النووي على ساكنة جمهورية مصر وذالك منذ دراسة Lucotte 2002 الشهيرة وكلها خلصت الى تأكيد نفس النتائج سواء على الصعيد المحلي أو الوطني.

حيث يلعب موقع مصر على الطرف الشمالي الشرقي لأفريقيا دورا كبيرا في فهم طبيعة أصول أسلاف المصريين المعاصرين، ومنذ نهاية العصر الحجري الحديث بدأت مصر تعرف تغيرات في حركات الهجرات و الاستقرار البشري فيها خصوصا في منطقة وادي النيل، ماعكس فيما بعد على تنوع الأسلاف و اللذي يعزى أيضا الى الأحداث التاريخية المسجلة.

حاليا التركيبة الجينومية للمصريين تضعهم  بعيدين عن الأوروبيين و الأفارقة جنوب الصحراء حيث يمكن القول أنهم كلستريا نصف شمال افريقيون (كالمغاربة و التونسيين) و نصف شرق أوسطيين (كالسوريين و الأتراك).

وأقرب الشعوب لهم شبها لم في تركيبتهم الجينية داخل أفريقيا هم الجزائريون يليهم الليبيون ثم في الشرق الأوسط نجد الفلسطينيين و الأردنيين و السعوديين.

يصعب حاليا مقارنة بيانات تحاليل الحمض النووي لرفات مصرية قديمة من عهد ماقبل الأسرات و الممالك الفرعونية بتلك للمصريين المعاصرين لفهم طبيعة الاختلافات في أسلاف المصريين عبر العصور، رغم أن هناك رأيا عاما سائدا ان المصريين حاليا وخصوصا طبقة الفلاحين هم الذرية الطبيعية لمصر الفرعونية اللتي انتهت مع نهاية العصر البطلمي.

لكن هذا الرأي يحتاج لتدقيق و دراسات، فكما هو معلوم عرفت مصر القديمة وخلال فترات الأسر عدة مشاكل ديمغرافية  و أجتماعية و سياسية فمن أمراض و جائحات و حروب قضت على أكثر من نصف ساكنة البلاد في أكثر من مناسبة، زد الى ذالك هجرات الشعوب الهندو-الأرية أبان فترة أزمة العصر البرونزي و استيطان القبائل الأمازيغية لمصر القديمة منذ فترات جد مبكرة سابقة لعهد الأسرات وحتى في الألفية الأولى  قبل-ميلادية ثم و اخيرا هجرات الرعاة و الرحل من الأريين الهيكسوس من الشرق الى وادي النيل و توسعات النوبة و الأشوريين والفرس و استقرار الأغريق في الساحل الشمالي، كلها معطيات تاريخية تشير الى حصول هجرات كانت شائعة في مصر القديمة لكن تحتاج الى تحقيقات جينية للتدقيق في طبيعة التنوع الجيني بمصر حاليا.

وعلى العموم، لا يختلف الكثير من المختصين في أن التنوع الجيني الأبوي في مصر هو قديم و عتيق وسابق للفترة الأسلامية على الأقل، في حين يوجد هامش محدد في 10% أو أقل (بحدود5%) يرجع للتأثيرات التاريخية خلال الألفي سنة الأخيرة من جهة الأباء الوافدين على مصر (وهذا يشمل الفترة الأخمينية والرومانية و البيزنطية و العباسية والفاطمية و المملوكية و الأيوبية و العثمانية و البريطانية).

وعلى عكس بلاد الرافدين اللتي فقدت الأستمرارية الجينية لجيل المؤسسين للحضارة فيها، فقد حافظت مصر على الأساس الأبوي الجيني اللذي كان سببا في ظهور حضارة مصر القديمة وهو المركر او الهابلوغروب الأبوي المعرف ب E1b1b1.M35 ويقدر المختصون وجوده بمصر بحوالي 40الف الى 12الف سنة قبل الميلاد وهو مايوافق الفترة الأيبرومورزية في شمال أفريقيا، بنسبة 52,3% بالنسبة لشمال مصر و الدلتا، مقابل 31% لجنوب مصر (الصعيد المصري) بحسب دراسة Arredi et al. (2004).

وبالأعتماد على نتائج الحمض النووي للرفات النوطفية في الهلال الخصيب، يمكن القول أن الهابلوغروب E1b1b1.M35 قد أتى من مصر الى بلاد الرافدين و الشام في فترة جد مبكرة على الأقل منذ الفترة الهولوسينية اي مايوافق 12ألف سنة قبل الميلاد، و رغم أن النتائج النوطفية تقع على مستوى التحور الشقيق لE-L19/V257 المعرف ب E-Z830 فأنه حاليا من الصعب التفريق بين التحور E1b1b1-M81 و E1b1b1-M78 كسلالتين مستقلتين، رغم أنه سوق أعلاميا أن M78 يمثل سلالة المصريين القدماء بسبب التواجد العالي لتحوراته السفلي بمصر و الممثلة في E-V12* و E-V22 و E-V32 و E-V65.

توزيع نسب E1b1b1-M78 وتحوراته في مصر وفق دراسة Cruciani Et al 2007


فكما هو معلوم M78 مع باقي التحورات في E1b1b1.M35 هو الأكثر حداثة فيه بحسب دراسة Trombetta Et Al 2015، كما أن تحوره العلوي V68 يوجد غربا (منطقة غرب أوروبا = أيبيريا و أيطاليا) بالاضافة ألى ان تحوره الأساسي وجد أيضا بالمغرب مع أحد أقدم تحوراته وهو E-V65.

 بالتالي فأنه من الناحية الفيلوجينية من الصعب القول أن V68/M78 سلالة مستقلة عن شقيقتها الكبرى E-Z827 (E1b1b1b) التي تضم  E-L19/V257 وE-Z830 وهما يمثلان سلالة الأمازيغ و الأمتداد الأيبرومورزي في الشام أبان فترة الهولوسين و العصر النحاسي مايعرف بالنوطفيين.

لذالك فأن V68/M78 تبدو كمرشح أقوى كمركر جيني أبوي للفترة القفصية في شمال أفريقيا ويبدو الـتأثير القفصي واضحا في عهود ماقبل الأسرات مايوافق فترة انتقال صناعات السيراميك و الفخار و الأواني القفصية الى وادي النيل من الصحراء الغربية (نبتا بلايا) كمثال.

وكما هو معروف فقد سكن القبصيون المناطق الداخلية من شمال أفريقيا الحالية، خصوصا في المروج العشبية وعلى ضفاف البحيرات والصحراء (التي كانت مكسوة بالعشب) غير أنه في العصر الحجري الحديث، منذ 9000 سنة قبل الحاضر، بدأ القفصيون بتدجين الخرفان والماعز والثياثل و البقر والرعي بها، فضلا عن مواصلتهم لصيد الحيوانات الأخرى، إذ يعدّ القبصيون أول الرعاة في تاريخ الإنسانية وكانت تنقلاتهم تبدأ من سيناء المصرية حتى بلاد أفريقيا جنوب الصحراء والى الجزائر غربا.

حركة الترحال و الرعي يبدو واضحا أنها بدأت من محيط مصر بجانب كل من ليبيا و شمال السودان، حيث أنتقل القفصيون من الشمال الشرقي لأفريقيا جنوبا حتى الصومال وما ورائها ويظهر ذالك جليا في المركر الجيني E-V32 اللذي يشكل 77% من الصوماليين، هذا الهابلوغروب انطلق من شمالي وادي النيل و ليبيا في الفترة الممتدة بين 5000الاف الى 3000 سنة قبل الميلاد، مايحيل الى أصول ليبو-مصرية قديمة (قفصية بالذات) من جهة الاباء لجزء كبير من الأثيوبيين و الصوماليين و كثير من شعوب القرن الأفريقي.

فقد أظهرت بعض الأبحاث أن بعض المجتمعات القبصية قامت بنوع من الزراعة اللتي أدت الى ظهور معتقدات و أديان، حيث أن الحفريات أظهرت أن طرق دفنهم لموتاهم توحي بأنه كانت لديهم معتقدات بحياة أخرى بعد الموت، إذ كانوا يدفنون موتاهم في أوضاع مختلفة (منها الوضع الجانبي المثني)، مزينة أبدانهم بحجر المُغْرَة، مرفقين بأدواتهم وأوانيهم، وهذا يبدو أنه له تاثير ثقافي و أجتماعي خصوصا في عهد الاسرات المبكر بمصر القديمة.

ولعل عامل الاستقرار و توفر المياه و الاراضي الصالحة للزراعة هي ما دفعت القفصيين الى أستيطان وادي النيل ما أدى الى ظهور مجتمعات متفرقة على طول وادي النيل منذ نهاية الألفية الخامسة قبل الميلاد (مثل البداري والعمرى بمصر والأخيرة تعتبر إحدى ثقافات عصر النحاس المبكرة والتي قد تدعم الادعاء بان مصر هي التي بدأت هذه الصناعة) أما أشهرها فكانت تلك اللتي ظهرت في منطقة الفيوم، واللتي كانت مسؤولة عن ظهور الثقافة الهارفية المؤسسة للغات السامية في بلاد الرافدين و الشام بالأعتماد على القرينات الأركيولوجية.

 وتبقى مسألة التبادلات الثقافية و الحضارية بين مصر القديمة لعهد ماقبل الأسرات وبين بلاد الرافدين و الشام أنتقالية و مترابطة وكانت في الاتجاهين معا ، في حين تأثرت مصر القديمة بنمط العمران و البناء الطيني لبلاد الرافدين في الفترة الممتدة بين 3000 الى 3200 قبل الميلاد، وذالك قبل تعرض بلاد الرافدين لأكتساحات الشعوب الهندو-أرية و الزاغروسية الايرانية المبكرة ما عجل بفك أرتباط مصر القديمة بباقي حضارات بلاد الرافدين في وقت جد مبكر على المستوى الحضاري الثقافي و اللغوي.

أما على المستوى الجيني وكما هو معلوم فالهابلوغروب E1b1b1-M123 مقدر بحوالي 3% في الشام ماعدا الأردن حوالي 30% و 2% بالعراق، أما في مصر فهو بحدود %10 و أقل، وهو المركر الجيني اللذي يربط مصر بباقي الهلال الخصيب في الفترة الممتدة بين 12ألف سنة قبل الميلاد الى حوالي 3000الاف سنة قبل الميلاد، وفي نفس الوقت يربطها بدول أخرى مثل الجزائر و ليبيا و بلاد القرن الأفريقي وبدون الكشف عن طبيعة التحورات بشكل تام واللتي غالبا هي على E-M34 يظهر جليا انها بين تأثيرات من العصر النحاسي من الهلال الخصيب و اخرى أيبرومورزية سابقة للفترة القفصية رغم ان القفصية امتداد طبيعي لها.

وأخيرا الهابلوغروب E1b1b1-M81 و رغم كونه يمثل سلالة الأمازيغ الى انه تواجده بمصر مازال حصرا ينظر الى تواجد الأمازيغ بمصر القديمة و مصر الأسلامية، فبغياب تحوراته العليا و تنوعاته بها ك L19 و Z827، يبقى هذا الطرح هو سيد الموقف وتقدر نسبته بحوالي 11% في شمال مصر و 28% في غربها و 6% في الصعيد، فرغم ان مصر مجرد امتداد طبيعي لشرق شمال أفريقيا فمازال ينظر الى المكون الأمازيغي كمكون دخيل خصوصا على المستوى الـتأريخي و الثقافي و السوسيولوجي والسياسي، رغم ان الأمازيغ ليسوا حصرا على سلالة واحدة لانهم يشملون عموم تحورات E1b1b1.M35 بسبب غلبة الطابع الأيبروموزي و القفصي للأخير.

أذن وكما يلاحظ فأن تحورات E1b1b1.M35 المشخصة في E1b1b1-M81 و E1b1b1-M78 و E1b1b1-M123 تبدو مترابطة بشكل أو بأخر وكلها تعود للعهد الحجري الحديث و الهولوسيني محددة في الثقافتين القفصية و الأيبروموزية المسؤولتين عن ظهور قومية الأمازيغ بشمال غرب أفريقيا و المصريين القدماء في وادي النيل و الساميين الأوائل في بلاد الرافدين بالتالي فأن التدخلات الحضارية و القومية منذ فترات مبكرة بين حملة هته التحورات الأبوية في مصر، يمكن تفسيره في أطار تشاركها لنفس نمط الثقافة و اللغة (الأفرو-اسيوية) و الأصول المباشرة و نفس السمات المورفولوجية و الاثنية.

مايعني منطقيا أن حملة الهابلوغروب الأبوي E1b1b1.M35 في مصر حاليا ينحدرون من أصول مصرية قديمة وأخرى شقيقة لها ومن نفس العرقية و الأرومة.

اما ثاني أهم هابلوغروب أبوي في مصر فهو J-M304، وتبلغ نسبته في شمالها حوالي 9,1%  لكل من التحورين J1 و J2 على التوالي، أما في الصعيد المصري فيبلغ نسبة 20,7% ل J1 و نسبة 3,4% ل J2 بحسب دراسة Arredi Et Al 2004.

لكن أعلى نسبة لJ-M304 فهي مسجلة عند الأقباط وتصل لحوالي 45% بحسب دراسة Hassan Et Al 2008.

ويغلب التحور J2a على تحورات J2 بمصر، وهو هابلوغروب ظهر أبان فترة أزمة العصر البرونزي والحديدي في شرق المتوسط مع بدأ أجتياح القوميات الهندو-أرية للشرق الأوسط و شرق المتوسط و أشتعال فتيل الحروب الأناضولية-البلقانية حول بحر أيجه بين ممالك الحيثيين و اللويين وغيرهم.

ويترافق هذا مع عصر المملكة الوسطانية بمصر القديمة اللتي عرفت جائحات و أمراض قضت على نسبة هامة من ساكنة البلاد بالأضافة للحروب المتوالية في الجبهة الشرقية في بلاد كنعان و تلك على البحر المتوسط مع فيدرالية شعوب البحر القادمة من بحر أيجه و هجرات سراح الماشية من جبال زاغروس و الاراراط عبر بادية الشام و سيناء نحو مصر فيما يعرف بدخول الهيكسوس اللذي كان سببا في أنهيار الدولة المصرية وقيام حكم الرعاة لمصر القديمة.

 J2a لم يدخل مصر وحيدا في العصر البرونزي لكن الأكيد رافقته سلالات أخرى كالسلالة J1 و ٌR1b و T و R1a وG2a، فهناك أراء حديثة ترى و تقترح أن بعضها أتى الى مصر أبان فترة التمدد الأشوري و الهجرات القادمة من بلاد الحيثيين و الحوريين و الميتانيين... وهناك رأي أخر يذهب الى ان ملوك مصر القديمة استقدموا العمالة الأسيوية من هته الممالك في أطار العمل في الجيش أو في الزراعة أو أشغال البناء الخ.

فالدولة المصرية احتاجت بشدة لليد العاملة لفترات متقطعة خصوصا عندما تتعرض ساكنتها للجائحات المرضية اللتي كانت تقضي على الساكنة النشيطة فيها وكان معدل الأعمار المتوسط لا يصل في أحسن الأحوال ل30سنة.

وكما هو معلوم الهابلوغروبات G2a و R1a و و R1a و R1b في الشرق الأوسط مرتبطة بقوميات أرية و قوقازية و تركمانية حاليا لها خلفيات تاريخية تعود للممالك الزاغروسية و الأناضولية الأرية، وتشكل نسب مهمة لدى قوميات مثل الأرمن و الأتراك و الأيرانيين و القوقازيين و الأكراد.

تجدر الأشارة ان قاعدة البيانات في يخص الهابلوغروبات G2a و R1a وR1b تضعنا أمام تحورات متنوعة فمثلا السلالة R1b في مصر متنوعة و يوجد عليها ثلاث فروع قارية فهناك الفرع الأسيويR1b1a1 (M73) و الفرع الأوروبي-الأناضولي R1b1a2 (M269) و الفرع الأفريقيR1b-V88.

تسجل السلالة R1b نسبة 9,9% في شمال مصر و نسبة 13,8% في الصعيد و أعلى نسبة توجد عند الاقباط بنسبة 15%، أكثر من نصف نسبتها يعود للفرع الأفريقي R1b-V88، اللذي يعتقد أنه دخل مصر أنطلاقا من الشام قبل حوالي 6000سنة قبل الميلاد و ربما أكثر بالأعتماد على كثير من الدراسات الجينية اللتي قدرت عمر التواجد بحساب الTMRCA و ال FORMED AGE، لكن هذا المعطى يصطدم بغياب تواجد هذا الهابلوغروب في الشام ابان فترة الهولوسين و العصر النحاسي والبرونزي أيضا، بل وجد في عينات أيرانية زاغروسية تعود للعصر الحجري الحديث لكن على الفرع الأسيوي و الأوروبي-ألاناضولي، ما يدفعنا للأعتقاد أن R1b دخل مصر في فترة أنتقالية بين المملكة الوسطانية و الجديدة على الأقل بل و الأغرب أن الفرعون توت أنخ أمون ظهر على الفرع الأوروبي-الأناضولي R1b1a2 (M269) مايدفعنا للأعتقاد بحدوث أختراق لفدرالية شعوب البحر القادمة من بحر أيجه لمصر القديمة و استيطان بعض منها للأراضي المصرية او أستقرار حيثي و ميتاني  محتمل و قادم من سوريا و الأناضول.

 بحيث أن R1b1a2 (M269) في مصر لا يمثل كليا التواجد الأوروبي كحال بعض الجاليات الفرنسية و الايطالية و البريطانية في العصر الكولونيالي، أما بالنسبة للفرع الاسيوي R1b1a1 (M73) فلا يوجد أدنى شك انه مرتبط بشكل او باخر بمهاجرين قادمين من الأناضول و أيران و أرمينيا بالذات على عصور متزامنة او متباعدة (الحيثيين، الميتانيون، الفرس الأخمينيون، الأتراك العثمانيون، التركمان، الأرمن، العباسيون، السلاجقة ألخ)

بنهاية الأمر فأن R1b في أغلبه دخل مصر أبتداءا من العصر البرونزي رفقة باقي الهابلوغروبات الأوراسية ك J2و J1 و T وG و R1a.

السلالة G في مصر تقع في أغلبها على التحور G2a3 ومن الوهلة الأولى، فأن أول أنطباع لها يشير ألى أصول أناضولية و ايرانية بالدرجة الأولى، نظرا لتركز و أنتشار فروعه و مكان نشأته في المنطقة الأيرانو-أناضولية، ولحد الساعة لا توجد معطيات دقيقة حول طبيعة التحورات فيه لكن ماهو متوفر يشير الى كون السلالة G دخيلة على مصر مايفتح باب الأحتمالات أبتداءا من العصر البرونزي الى غاية الفترة الكولونيالية وقد قدرت نسبتها في حدود 9,5% حسب دراسة Luis Et al 2004 على عامة مصر.

ثم السلالة R1a وكما هو واضح فهي سلالة دخيلة و معروفة على أنها مرتبطة بالقوميات الهندو-أرية القادمة من سهوب أوراسيا، وشكلت جزءا مهما في تاريخ أمبراطوريات اسيا و أوروبا على مدى العصور وبغياب تحديد طبيعة التحورات فيها في مصرـ تبقى الأحتمالات قائمة على كل السيناريوهات الممكنة باعتبارها سلالة دخيلة وتقدر نسبتها في مصر بحوالي 2,5%.

أما بالنسبة للهابلوغروبين T و J1، فقد تبين من خلال نتائج الحمض النووي للرفات النوطفية في الشام، أن الهابلوغروب T ظهر في العصر النحاسي بالشام بينما J1 ظهر في العصر البرونزي ما جعل البعض من المختصين يجزم في ان الهابلوغروبين لهما علاقة ارتباطية وحضورهما متلاحق. فدراسات كثيرة أقترحت أنهما دخلا أفريقيا أنطلاقا من جبال زاغروس منذ أكثر من 9000سنة و انتشرا فيها عبر نشر الرعي و الترحال حتى افريقيا جنوب الصحراء تحت لواء الثقافة القفصية.

 ورأي أخر يرجح ظهورها حتى العصر البرونزي اي في عهد المملكة الوسطانية في مصر القديمة او في فترة غزو الهيكسوس للأراضي المصرية بالاعتماد على عمر J1 في مصر و شمال افريقيا المقدر بين 2000 الى 1400سنة قبل الميلاد.

أما السلالة T فعمرها أقدم من J1 بأفريقيا و مصر بالذات، لكن الأكيد انها حضرت قبله و رسمت له خط الهجرة التتبعية، و لأنها ظهرت في الشام أبان العصر النحاسي فيمكن القول أنها دخلت مصر مع نهاية المملكة القديمة اللتي أنتهت بسبب جفاف وادي النيل في الفترة بين 2500 الى 2100قبل الميلاد، هذا و يشار الى السلالة T في تحورها T1a1 تسجل نسبة مرتفعة في الصعيد المصري بما يناهز 10% في حين لا تتجاوز 2,3% في الشمال، ويلاحظ هنا مدى أقتران T بالهابلوغروب J1 بالنسب العالية في أماكن تواجدهما في القارة الأفريقية خصوصا في القرن الافريقي اللذي أستقبل هاتين السلالتين أنطلاقا من صعيد مصر.

وألى حين التثبت من ذالك لابد من أجراء تحاليل الحمض النووي أضافية للمومياءات المصرية في عهود الأسرات وماقبل الأسرات، لفهم طبيعة حضور الهابلوغروبات الأبوية الحالية في مصر عبر العصور.

أما بالنسبة للـتأثيرات الحديثة المقرونة بالألفي سنة الأخيرة فأن أقواها يتمحور حول ظاهرة النخاسة و الأسترقاق في فترة العصر الوسيط الأسلامي حيث قدرتها دراسة Henn Et al 2012 بنسبة 14% أتوسوميا وهي غالبا من جهة الأمهات مؤرخة بحوالي  700 سنة كأقصى تقدير نحو مصر و شملت عبيدا من الأماء من ذوات الأصول نيلو-صحارية الصحراوية و جنوب-صحراوية.

والنسبة قد تكون مرتفعة بشكل كبير خصوصا في الصعيد المصري و الواحات في الصحاري المصرية حيث يلاحظ نسب مهمة للهابلوغروبات الأبوية الخاصة بقوميات الهاوسا و الأومو و النوبة بالأضافة للقوميات البانتو-كونغولية واللتي تعرضت للأسترقاق نحو مصر، كالهابلوغروب E1b1a الخاص بالبانتو وتتراوح نسبها بين 0% ألى 6,5% بين واحات مصر و مناطق متفرقة منها.

و الهابلوغروبين A و B الخاص بالنوبة و الأومو فنسبه تتراوح بين 2,3% بشمال مصر ألى 28% بواحة سيوة، بينما يلاحظ أن الهابلوغروب الأبوي R1b-V88 والمرتبط بقوميات الهاوسا يسجل أعلى نسبه بصعيد مصر بحوالي 13.8% و واحة سيوة بنسبة 28% و نسبة 9,9% بشمال مصر، مايدل على أن مصر في العصر الوسيط أستقدمت عبيدا من القومية الهاوساوية بشكل أساسي، رغم ان R1b-V88 وتحوراته لم يتم التحقق في طبيعتها بعد و ترجح الأن في صالح هجرات أوراسية في العصر الحجري او البرونزي، عوض ترجيحها لفترة العصر الوسيط الأسلامي المرتبطة بظاهرة نخاسة العبيد من أفريقيا جنوب الصحراء.

وكما هو واضح فأن تأثير النخاسة و الأسترقاق من أفريقيا جنوب الصحراء على ساكنة مصر جينيا أكبر بكثير من مجموع الـتأثيرات الخارجية القادمة من محيط مصر منذ نهاية العصر البطلمي فيها، ويشمل ذالك (الفترة الأخمينية و الرومانية و البيزنطية و الأسلامية و الاستعمارية).. في حين لا يوجد تأثير مفترض لهجرات عربية قادمة من الجزيرة العربية خلال فترة أنتشار الاسلام أو العصر الفاطمي اللذي شهد وفق روايات تراث النسابة هجرات ما يعرف بقبائل بني هلال و بني سليم و معقل الى مصر.

لذالك أقترحت دراسة Lucotte 2002 نسبة أقل من 10% (بحدود5%) لكل الهجرات المحتملة من أوراسيا خلال الألفي سنة الأخيرة، بينما رجحت نسبة أكثر من 15% لهجرات من افريقيا جنوب الصحراء خلال نفس المدة بسبب ظاهرة النخاسة  و استرقاق العبيد من أفريقيا جنوب الصحراء.
  
معلوم أن اسواق القاهرة لوحدها وخلال ال 1200سنة الأخيرة أستجلبت مايقارب 2مليوني شخص من العبيد الأفارقة الزنوج ماتسبب في تمازج هؤلاء مع الساكنة المحلية ما عجل بظهور خلاسيين في نهاية المطاف.

أذن كخلاصة للمادة البحثية فأن المصريين المعاصرين ينحدرون بشكل خاص من مصر القديمة اللتي أنتهت مع نهاية الدولة البطلمية في حدود 80% كأقصى حد، بينما ماتبقى كنسبة فهي تطغى عليها تأثيرات قادمة من أفريقيا جنوب الصحراء بسبب تجارة الرقيق الاسلامية في العصر الوسيط، ونسبة تتجاوز 5% بقليل مرتبطة بكل الأحداث اللتي عرفتها مصر منذ 2000سنة الأخيرة.

توزيع نسب الهابلوغروبات الأبوية في مصر بحسب دراسة Arredi Et al 2004


خارطة توزيع الهابلوغروبات في مصر و الدول المجاورة لها وفق دراسة Badro Et al 2013



رابط
رابط
رابط
رابط
رابط

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire