لطالما أعتبر موضوع الأصول العرقية للسومريين لغزا مطروحا منذ بدايات القرن العشرين، ومازال كذالك حتى لدى بعض الأوساط الأعلامية و السياسية و الثقافية في منطقة MENA، بسبب عدم تمكن الناس هناك من فهم التاريخ الأحفوري و التوصل بأخر مستجدات علم الأنثروبولوجيا، لذالك نجد ان الكثيرين وخصوصا من رواد الفكر اليساري الأشتراكي العربي يروجون لفكرة أن السومريين مجرد "عرب" من باب تعريب كل شيء، أو أن السومريين ينحدرون من القوميات الفيديدية و الدرافيدية الهندية المتواجدة في الخليج الفارسي منذ عصور قديمة حسب ما روجه له بعض المستشرقين الأوائل بالاعتماد على حضورهم الملفت هناك.
لكن الحفريات على عدة مواقع كموقع تل الأحمير كشفت عن رفات و رفات عظمية تنتميان لعنصرين مهمين في تصنيف الأعراق البشرية مؤرخة بحوالي 3100سنة قبل الميلاد، يشار الى أن موقع تل الأحمير يقع بمدينة كيش السومرية و هي منطقة اثرية في العراق كانت في السابق أحد المدن الرئيسية للسومريين، وتبعد عن مدينة بابل حوالي 12 كلم شرقا، وتبعد عن العاصمة بغداد 80 كلم جنوبا، وحسب الأساطير السومرية تعتبر كيش أول مدينة يتربع عليها ملك بعد الطوفان الكبير الذي ذكر في الأساطير السومرية والديانات اليهودية والمسيحية والإسلام.
أولى التنقيبات الأثرية قام بها فريق فرنسي مختص في علم الآثار بقيادة هنري ديجونياك بالتنقيب لأول مرة عن مدينة كيش بين عامي 1912 و 1914 ثم توالت بعد ذالك الكثير من الحفريات و كشفت عن عدة مواقع تصل حتى العهد الأشوري في المنطقة.
أما فيما يخص المعاينات الأنثروبولوجية وخصوصا الأنثروبومترية منها المتعلقة برفات الجنائزيات و البقايا العظمية فأن اولى الملاحظات سجلها العالم John Baker فعبر فحصه للجماجم و دراستها، وجد أن كثيرا منها يصنف من النوع الأورو-أفريقي Euro-Africa العام وأن بعضا منها تشبه جمجمة Combe-Capelle بفرنسا، وهو من نوع الكرومانيوم اللذي عاش في أوروبا الغربية في أواخر العصر الهولوسيني اي حوالي 8000سنة قبل الميلاد.
يقول John Baker "أن جماجم المواقع السومرية في كيش و سياك و موحنجو دارو (Kish, Siak and Mohenjo-Daro)، متغايرة فيما بعضها ولكن لا تختلف عن الشكل الأساسي لها، أغلبيتها رؤوس طويلة وبعض منها له جباه منحسرة مع فك عريض و قنطرة أنفية طويلة"
بالنسبة ل John Baker فان الأمر يتعلق بالصنف الايرانو-أفغاني Irano-Afghan ، كما اشار الى أن قلة قليلة من الجماجم هي من نوع الأرمنيود Armenoid وهي تنتمي في الغالب للفترة المتأخرة خصوصا الأشورية وكلاهما يصنف ضمن خانة جنس البحر المتوسط الشرقي,
وبحسب ملاحظات اخرى اشار ان بعض المختصين جزموا ان هته الجماجم تشبه نوعا ما تلك التي دخلت شمال الهند و باكستان في فترة العصر الحجري الحديث قادمة من ايران لتختلط فيما بعد بالأستراليود و يظهر معها جنس خلاسي جديد يعرف بالنوع الهندي والحديث هنا يتعلق فقط بجماجم موقع موحنجو دارو Mohenjo-Daro.
لكن العالم Earnest Hotoon له رأي أخر، فقد حدد نوعين رئيسيين من خلال معاينته لكل الرفات على اكثر من موقع أحفوري، قائلا: "هناك نوعين متوسطيين، أصحاب الأنوف المقوسة ، و أصحاب الأنوف المستقيمة. الاكثر انتشارا بينهما هو الأخير وهو أكثر بدائية و تواجدا و يفسر ذالك بكونه كان منتشرا في كل عموم حوض البحر الابيض المتوسط، وهي المنطقة الاساسية اللتي غذت الهلال الخصيب بظهور الحضارة فيها، ولا يوجد ادنى شك ان اصحاب الانوف المستقيمة امتدوا شرقا في وقت مبكر حتى نحو الهند ماتسببوا بشكل او باخر بظهور الهجرات الأرية المتأخرة"
وبالنسبة ل Carlenton Coon فان الامر يتعلق بالنوع الأيرانو-أفغاني خصوصا في مواقع الفترة العبيدية Ubaid period و الكيشية السومرية الأولى، فيما علق ان جميع دراساته و ابحاثه على كل الجماجم في كل المستويات ابتداءا من الفترة العبيدية و السومرية حتى الاشورية، أثبتت ان السومريين في الاساس لا ينتمون للجنس المتوسطي قصير الرأس و مستدير الوجه في أشارة للأرمينيود Armenoid، وان جميع الجماجم السومرية تنتمي للنوع Euro-Africa البدائي في اشارة للصنف الافغاني-الايراني المنضوي تحتها.
أذن وكما تلاحظون فأن معاينات المختصين تجمع على مركزية العنصر الايرانو-أفغاني في تحديد العرق السومري رغم حذرهم الشديد بوصفه بالEuro-Africa، في اشارة لغرب البحر الابيض المتوسط، بسبب تواجد اصحاب انوف مستقيمية وهي ميزة لا توجد في العنصر الايرانو-افغاني، كما ان هناك اختلافات بين التفاصيل الجمجية السومرية ماعادا بالنسبة لشكل رؤوسها الطويلة، لربما يشير ذلك الى اختلاط عرقي حصل بين مجموعات ايرانية و اخرى متوسطية قادمة من الشام كالنوطفيين مثلا؟
وعلى العموم فأن الدراسات الاركيولوجية تشير الى أصول قادمة من أيران و جنوب شرق تركيا بالنسبة لأصول السومريين بسبب طغيان نمط الثقافة العبيدية Ubaid و الهالفية Halfian السابقة لظهور الحضارة السومرية، وخصوصا فيما يتعلق برعي و تدجين الماشية و صناعة الادوات و نمط الزراعة و البناء.
وبين هذا وذاك، فان استخلاص الاحماض النووي للرفات السومرية سيفك الكثير من الألغاز، فالاختلافات الجمجمية ماعادا لطول رؤوسها قد يكون مؤشر لأختلاط عرقي ما وجب تحديده؟ خصوصا اننا نعلم مسبقا عن تواجد مجموعتين عرقيتين مختلفين في الهلال الخصيب منذ فترة جد مبكرة بين الفترة الهولوسينية و النحاسية وقد ادرجنا نتائج تلك التحاليل في موضوع فلاحي الشرق الأوسط الأوائل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire