عند الأطراف المترامية للصحراء الكبرى، وتحديدًا عند موقع جبل الصحابة شرقي وادي النيل بدولة شمال السودان، عثر العلماء في ستينيات القرن الماضي على حوالي 59 هيكلًا عظميًّا عمرها 13 ألف عام قبل الحاضر، في ظل دراسة أمريكية كانت تمولها منظمة اليونسكو بهدف الحفاظ على الآثار التي كانت على وشك أن تغرقها مياه السد العالي بأسوان، وأُخذت هذه الآثار إلى ولاية تكساس قبل أن تُنقل مؤخرًا إلى المتحف البريطاني لتحليلها من جديد.
وقد تبين من خلال الفحوص التشريحية ان الرفات تعود لمذبحة جماعية و أن هؤلاء الضحايا راحوا فيما يُعرف بأقدم حرب عرقية عرفها التاريخ.
فقد وُجدت آثار طعنات على عظام الضحايا، وأحاطت بهم شظايا الأسلحة القديمة والأسهم من كل جانب، وبعضها اخترق عظامهم؛ مما يشير إلى أول حرب مجتمعية بين عرقين مختلفين تماما و الأمر يتعلق بعرق أبيض يعيش في البحر الأبيض المتوسط قادم من شمال أفريقيا و عرق "زنجاني" تعود رفاته لعنصر "الخوزان او البوشمان" أو ربما "البيكمي" بسبب قصر القامة و الجذوع القصيرة و الملامح الجمجية البرطمية من خلال ماتبين في فحص الهياكل العظمية للضحايا، و قد تم تصنيفهم في الدراسة على أساس انهم جزء من أسلاف الأفارقة جنوب الصحراء الحاليين .
أما بالنسبة للمعتدين (القتلة) أو الجزارين فقد تبين أوليا أنهم شمال أفريقيون و يشبهون الأوروبيين الأوائل و الفلاحين النوطفيين في الهلال الخصيب، و يتميزون بجذوع و قامة طويلة، و عضلات وصدور كبيرة و بنية قوية و وجوه ناعمة و متمقلة بالأضافة لأطراف صغيرة.
ويفسر العلماء سبب اندلاع الحرب بكارثة بيئية من العصر الجليدي دُفع على إثرها المعتدون والضحايا إلى أن يعيشوا معًا في مساحة صغيرة؛ فقد كانوا جميعهم من مجموعات صيد الطعام التي عادة ما كانت تتحاشى العنف من خلال الانتقال إلى منطقة جديدة عند ازدحام المنطقة بالسكان.
لكن ربما نظرًا للظروف المناخية — حيث تسببت الكتل الجليدية التي غطت معظم أوروبا وأمريكا الشمالية إبان العصر الجليدي في جعل المناخ في جنوبي شمال أفريقيا قاحلًا وباردًا — اضطرت الجماعات إلى العيش في منطقة وادي النيل؛ مما أدى إلى تفاقم الأزمة السكانية، ومن ثَمَّ ربما نشب الصراع بين المجموعات العرقية المختلفة التي تعيش في المنطقة نفسها؛ بسبب ندرة الموارد والصراع على مناطق صيد الأسماك، وموارد الطعام، ومناطق السُّكْنى الآمنة.
وقد تمكن العلماء من خلال الفحوصات التي جرت مؤخرًا من الكشف عن عشرات من آثار العنف على عظام الضحايا لم تُكتشف أثناء الفحوصات السابقة.
ويخطط العلماء الآن لإجراء الأبحاث حول الضحايا أنفسهم؛ مثل: نوعهم، وأعمارهم، والأنظمة الغذائية التي كانوا يحصلون عليها. ويُعدُّ هذا المدفن من أول المدافن المنظمة المعروفة في منطقة وادي النيل؛ فقد دُفنت الجثث بعناية شديدة، فكل الجثث موضوعة على الجانب الأيسر، والرءوس موجهة ناحية مشرق الشمس وتنظر جنوبًا ناحية مصدر النيل — وهما العنصران اللذان تعتمد عليهما النجاة.
الجدير بالذكر أن موقع جبل الصحابة الآن يرقد في أعماق مياه السد العالي ومعه هذا المدفن، وسيتم عرض هيكلين عظميين لاثنين من الضحايا في المتحف البريطاني بلندن ضمن معرض «آثار مصر القديمة» الجديد.
صور هياكل المقبرة الجماعية لضحايا أول حرق عرقية موثقة في التاريخ
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire