أعتبر هاذا السؤال واحدا من أكبر ألغاز التاريخ البشري الحديث، فلطالما رأى الباحثون أن الأنسان العاقل Homo-Sapiens ألتقى بالنيادرتال Neanderthal في عصور جد مبكرة، فهما من أكثر أنواع البشريات تقاربا و شبها في جيمع التفاصيل التشريحية و المرفولوجية و الانثروبومترية، فكلاهما أنحدرا من نفس السلف المشترك وعاشا تقريبا في نفس المجال الجغرافي.
ورغم كونهما فصيلتين مستقلين ألا أن البحوث الجينية أشارت الى اختلاط جنسي تم فيما بين النوعين و أدى ذالك الى ظهور فصيلة هجينة سرعان ما أمتصت من طرف الغلبة من الانسان العاقل و بذالك مررت جينات النيادرتال الى الانسان العاقل الحديث و يرى الباحثون ان عملية التجانس تلك مرت عبر تزاوج ذكر من أنسان عاقل بأنثى نيادرتالية وهي المسؤولة عن تمرير الجينات نحو باقي البشر الحاليين خصوصا اولئك ذوي الأصول الأوراسية خارج أفريقيا.
وبما أن الأمازيغ و المغاربة بصفة جينية عامة مصنفون من أصول غرب-أوراسية للعودة الارتجاعية نحو أفريقيا من غربي أوراسيا قبل 45.000ألف سنة الى 12.000 ألف سنة قبل الميلاد. فأن نتائج تحاليل الحمض النووي الخاصة بهم أثبتت بما لا يدعو للشك أنهم يحملون جينات نيادرتالية وهي مقاربة تماما لنسبتها بين الأوروبيين و الغرب أوراسيين (فيما بين 1,2% ألى حدود 2,8%).
فأن سؤال اصطدام الأمازيغ و المغاربة القدماء بالنيادرتال يبقى مطروحا ليس على المستوى الجيني ولكن على المستوى الأركيولوجي، فكما كشفت عنه أخر الدراسات الأركيولوجية فأن أخر ملاجئ النيادرتال في التاريخ كانت في جنوبي أسبانيا خصوصا منطقتي الأندلس و جبل طارق، كما أن أخر انقراض حصل للنيادرتال تبين أنه حصل تقريبا قبل 10.000سنة قبل الميلاد وليس قبل 40.000سنة قبل الميلاد كما كان يعتقد سلفا، ورغم أن كثيرا من الأدلة الاركيولوجية تشير الى صعود ''الايبروموزيين" لتعمير جنوبي فرنسا و شبه الجزيرة الايبيرية خلال فترات متقطعة بدئا من ماقبل العصر الجليدي الاخير وحتى بعده.
فأن الدراسات تبقى شبه صامتة حول طبيعة الاصطدام اللذي وقع بين الايبروموزيين و النيادرتال رغم أن هناك ترجيحا لكفة المجازر الدموية (أبادة جماعية) و حرب على امتلاك المصادر و الموارد المعيشية كان فيها الانسان العاقل سيد الموقف.
ولكن تبقى احدى أقوى الاشارات على ذالك موجودة في تراث الأمازيغ الشفهي المتداول، وأشهرها قصة "أعمار" مع بنات الغولة أكلة اللحوم البشرية في منطقة الريف.
و يتداول أمازيغ الريف المغربي هته القصة من ماضي غابر حيث تروي القصة عن محاولات البطل الأمازيغي ''أعمار" لقتل الغولة و بناتها اللواتي عرضن أنفسهن للزواج به بأشارة من أمهن وألا فان أكل لحمه سيكون جزاء رفضه للعرض، البنات تقدمن و ظهرن في احلى زينة في أشارة الى أن "أعمار" يستطيع مراودتهن جنسيا و رغم ان القصة انتهت بمقتل الغولة و بناتها على يد ''أعمار'' اللذي خلص قريته من أكلات لحم الأطفال الصغار.
فأن القصة لها وقع بالغ على الباحثين الانثروبولجيين و الاركيولوجيين فهي ليست عادية ولا يمكن اعتبارها مجرد اسطورة، فأثار ممارسة أكل لحوم البشر وغيرهم من طرف النيادرتال وجدت في عدة مواقع في أوروبا كما أن بعض الهياكل العظمية ماقبل تاريخية وجدت لجنس هجين يجمع بين صفات نيادرتالية و اخرى للانسان العاقل مايشير الى عملية تجانس نوعي وهاذا ما أكده علم الجينات.
الطريف في الأمر ان هناك موقع أركيولوجي في منطقة الريف يعرف بأسم أفري-ن-عمار ( بالعربية : كهف أعمار) وقد وجدت به هياكل عظمية تعود للحقبة الايبروموزية لرجل بالغ عاش تقريبا قبل 10.000سنة قبل الميلاد، كنا قد نشرنا فيديو عنه تناولته قناة دوزيم معروض في المتحف بكامل هيكله العظمي مع أدوات و أغراض خاصة به وقدم على أنه صياد محترف.
وبالاضافة الى "أعمار"، هناك أيضا قصتي شعب "ثامزا" و "أمزيو"، وهي تعتبران اكثر الشهادات التراثية مثارا للجدل و اللتي فاجأت الباحثين الغربين وأول من اشار لذالك منهم هو Carleton Stevens Coon، واللذي يعتبر من كبار مؤسسي علم الانثروبولوجيا الحديثة حيث تناول ما يتناقله أمازيغ الريف عن ثامزا و أمزيو فثامزا تطلق على أناث ذالك الشعب البدائي اللذي جاور أجدادهم بينما أمزيو يطلق على ذكورهم وكانو يسكنون في مغاور و اكواخ معزولة في الاجراف و اعالى الجبال.
يقول أمازيغ الريف أن : ثامزا كانو نسوة قبيحات الشكل و صدورهن عارية تصل حتى الأرض وكانت شفاههم طويلة و مترهلة، شعرهم طويل، متشابك، ومجعد كذالك نفس الأمر ينطبق على أمزيو أي ذكورهم.
وأبرز ما كانو يقومون به هو أكل لحوم البشر فهم يبرعون في قضمها و طحنها وعادة كانو يفضلون الأطفال الصغار فكانو يقتنصون الفرص عندما تخرج الأمهات لجمع الحطب او قطع الزرع فيخطفون الرضع و القاصرين في غفلة منهن، ليتحولو بعد ذالك الى وجبة دسمة.
يحكي أمازيغ الريف تفاصيل اخرى عن ثامزا قائلين ، أن لأناثهم القدرة على التحول الى نساء جميلات يصطدن بجمالهن الساحر الرجال فيقعن بذلك عددا كبير منهم فينتهي اغلبهم الى وجبات للأفتراس.
ويؤكد أمازيغ الريف معطى أن ثامزا و أمزيو ليسوا من ما يعرفونه في الاسلام وغيره كالجن او الشياطين او الملائكة او اشباح الموتى و غير ذالك .. بل يؤكدون أن هؤلاء انقرضوا منذ مدة طويلة جدا ولم يعد يسمع لهم أي خبر جديد. وأن الامر يتعلق بأشباه بشر عادة يصنفونهم كأغوال (جمع: غول).
ختاما، ان الجمع بين الثرات الامازيغي المتناقل جيلا بعد جيل، وبين المعطيات العلمية المتوفرة و عامل القرب الجغرافي في كون ان اخر مستعمرات النيادرتال لا تبعد عن المغرب سوى ببضع كيلومترات في وقت كان فيه مستوى البحر منخفضا ب 120مترا، وكانت افريقيا متصلة باوروبا عبر اليابسة في مضيق جبل طارق، وقت كانت جماعات افري نعمار و افري نبارود و الحطاب و تافوغالت المتطابقة جينيا مع أمازيغ المغرب المعاصرين تجول في المنطقة.
فأن ورود اصطدام الأمازيغ بالنيادرتال أصبح أمرا لا مفر منه و حقيقة وجب التحقيق في شأنها وفي ملابساتها على المستوى الاركيولوجي و الانثروبولوجي.
موقع ثامزا بالناظور
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire